أهمية أن
لا تلتئم
لعل أجمل ما في كتاب "كيف تلتئم: عن
الأمومة وأشباحها" الصادر حديثا للشاعرة إيمان
مرسال هو ما لم يقله عن الأمومة (والأبوة في نظري على الأقل، أو في تجربتي على الأقل):
أنها حوار. أخذ ورد. تعلم بالتجربة والخطأ. ذلك ما لم يقله الكتاب نصا، لكنه كانه من
الصفحة الأولى وحتى الأخيرة. حوار متصل مع قصائد من بولندا ومن سوريا ومن مصر، ومع
الفوتغرافيا، ومع الذات بالطبع، ومع الأم ومع الابن، مع اليتم، ومع النمط.
الأمومة في شكلها البيولوجي البحت
تفتح الجسد نفسه للآخر، تسخِّره له يستعمله استعمالا. الأمومة بهذا المعنى (ومهما يكن
ضغط النمط هنا) لا تعني إلا الانفتاح على الآخر والانفتاح للآخر، لكن هذا الكتاب
يبيِّن كيف أن الأمومة تعني أيضا استعمال الآخر لمصلحة فهم الذات.
حضور عشرات الأسماء والأفكار في الكتاب
(الذي افترضت قبل قراءته وأحببت أن يكون تجربة امرأة/شاعرة مع الأمومة) لا يساوي بين
الخاص (تجربة أمومة معينة) والعام (تجارب الأمومة الكثيرة المختلفة)، فيسقط
التجربة الشخصية على تنويعة التجارب العامة الإنسانية، بل ربما يفعل العكس، أي أنه
يتصالح مع العالم، ويعتبره طريقا إلى فهم الذات. أو هو ببساطة استغاثة من الذات
بالعالم، فكأن إيمان مرسال وهي تحاول أن تفهم الأمومة، تعترف ببنوتها هي للعالم،
وتطلب أن يعينها على فهم ذاتها.
كفرد يقرأ الكتاب، شعرت للوهلة الأولى
أن تلك الجولة في عالم مترام من الأفكار قد لا تكون إلا مهربا من مواجهة التجربة الشخصية
مواجهة مباشرة لعلها مخيفة، خاصة وأن التجربة الشخصية (أعني أمومة إيمان نفسها كما
تظهر في فصل اليوميات مثلا) تنطوي على خصوصية تجعلها بالفعل تبدو ـ لي ـ مخيفة، لكن
قليلا قليلا تبيَّن لي أن هذا الدوران كله كان يرمي إلى محاصرة التجربة الفردية لفهمها،
أو هو ببساطة إظهار عملي لما تفعله الأمومة في الإنسان: توسِّع ذاته مثلما لا يفعل
شيء آخر.
لعل الأمومة بانتهاكها جسد المرأة
جرح فعلا، جرح فيزيقي لا يخلو قطعا من ألم ومن دم ومن حاجة إلى الشفاء. لكنه جرح قد
لا يلتئم إلا بالاعتراف بوجوده، والتسامح مع دوامه، والإيمان بضرورته، جرح دواؤه
التعايش معه، ومحبته، ربما شأن أي جرح.