Saturday, August 31, 2019

ما لا يدرك كله لا يترك كله


مفكرة المترجم
أحمد شافعي: ما لا يدرك كله لا يترك كله

كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ 
كنت أجلس عصر كل يوم أمام بيتنا في القرية، على واحدة من ست قواعد حجرية حملت لعشرات السنين من قبل أعمدة مسجد القرية الكبير ثم بيعت في مزاد لتوفير المال اللازم لإعادة بناء المسجد. اشترى أبي ستة منها، ووضعها في صفين أمام باب البيت فكنت أجلس عليها عند العصر، شاعرا صغيرا يراقب الغروب والفلاحين الراجعين ببهائمهم من الحقول. وحدث يوما أن رأيت قريبا يغادر القرية في تلك الساعة، ثم يرجع بعد سويعات. سويعات قليلة في آخر النهار هي كل يوم عمله في القاهرة القريبة من قريتنا. كنت أعرف أنه يعمل مترجما، وخطر لي وأنا جالس تلك الجلسة أن هذه بالضبط هي المهنة الملائمة لي، فمن شأنها أن توفر لي أغلب يومي للقراءة والكتابة.
نصحني أيضا أستاذ لي في الثانوية بأن أعدل عن التخصص في الفلسفة كما كنت أريد. ووجهني إلى دراسة الإنجليزية. قال بمنطق بسيط وسديد: تعلم لغة إضافية واقرأ بها من الفلسفة وغيرها ما شئت. ولم أزل أتعلم اللغة، في انتظار أن أقرأ ما أشاء.
لم أكد أنهي دراستي الجامعية حتى شرعت على الفور في الترجمة الأدبية، مشبعا في آن واحد رغبتي في القراءة وحاجتي إلى العمل. في البداية لم توفر لي الترجمة أكثر من جنيهات لسجائري، وبعض الكتب، ثم تبدل الحال شيئا فشيئا.

ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟ 
صدر لي خلال العام الحالي، 2019، ثلاثة كتب، رواية "إلمت"، لفيونا موزلي، (دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، قطر) وكتاب "بيت حافل بالمجانين، زيارة ثانية" حوارات باريس رفيو مع وليم فوكنر ـ سيمون دي بوفوار ـ فلاديمير نابوكوف ـ جون شتاينبك ـ ماريو فارجاس يوسا ـ أليس مونرو ـ خوسيه ساراماجو ـ هاروكي موراكامي (دار مدارك، السعودية) ورواية "وزارة السعادة القصوى"، لأروندهتي روي، (الكتب خان، مصر).
وأعمل حاليا على ترجمة كتاب Hidden Figures لمارجوت لي شيترلي، ويؤرخ للدور الذي قامت به النساء الأمريكيات الأفريقيات في ناسا خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها، ملقيا الضوء على إسهامهن المنسي في أهم مشاريع ناسا الفضائية.

ماهي،برأيك،أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 
القارئ الجاهل، والمترجم الرخيص.

هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمّة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟ 
المشكلة أن دور المحرر ليس محددا بعد تحديدا دقيقا. في كتبي المترجمة الأولى التي صدرت عن المشروع القومي للترجمة في مصر ـ قبل سنين من تحوله إلى المركز القومي للترجمة ـ كان يشترط لكل ترجمة وجود مراجع حاصل على الدكتوراه في تخصص الكتاب المترجم. هكذا روجعت كتبي على يدي كل من أستاذنا الدكتور ماهر شفيق فريد والدكتور جمال الجزيري. وكانت التجربتان مفيدتين للغاية، كل بطريقتها، في بداية عهدي بالترجمة. كما كانت لي تجربة أسبق مع الشاعر والمترجم رفعت سلام الذي اطلع على عدد من ترجماتي الشعرية، وكذلك الراحل الأستاذ طلعت الشايب، ولم يبخل كلاهما علي بالملاحظات والتصحيحات. فضلا عن أنني زاملت لفترة الكبير الراحل بشير السباعي فكانت لنا حوارات مهمة ـ على قلتها ـ سواء حول الترجمة أو الثقافة بعامة، وقد ظللت أرجع إليه وأستشيره حتى نهاية حياته.
بعد ذلك، لم تمر كتبي بمراجعين، لأنني عملت مع دور نشر خاصة تحاول تقليل التكلفة قدر استطاعتها.
ما أفهمه هو أن الترجمة دائما بحاجة إلى مراجعة، بشرط أن يقوم بها مترجم كفء ويمكن أن نسميه محررا إن لزمت هذه التسمية. وتحتاج إلى مصحح جيد للغة العربية ـ وهو ما أحرص عليه بل وألح ـ وهذا أيضا يمكن أن نسميه محررا إن لزم الأمر. عدا هذين الأمرين، لا أتصور أن يقترب أحد من الترجمة أو يعمل فيها قلما.

كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟ 
أنشر ترجماتي منذ سنة ألفين، في الجرائد والمجلات ودور النشر. فليس غريبا أن أكون قد تعرضت لشتى أنواع الناشرين: المثقف المتحمس للعمل الثقافي في المقام الأول، والتاجر الذي لا يعنيه إلا تعظيم ربحه، الخبير قديم العهد بالمهنة، والمبتدئ عديم الدراية. وأتصور أنني استطعت أن أتعامل مع الجميع. لدي من المرونة ما يجعلني أحاول مع كل ناشر أن أنشر عملا تهمني ترجمته، ويفيده نشره، وليس العثور على هذه الأعمال بالأمر المستحيل.
في العادة أرشح للناشر ما أريد ترجمته، حريصا على أن يكون عملا متناغما مع اهتمامات داره أو توجهها. ولكن حدث في مرات كثيرة أن رشح لي ناشرون أعمالا ورأيتها تتفق واهتماماتي أنا فعملت عليها. بصفة عامة، ومثلما قلت مرة لرئيس تحرير عملت معه، "ما دام الأمر متعلقا بالترجمة، فأنا قادر أن أتعامل حتى مع الشيطان".

هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟ 
لم أكن يوما متبعا لأيديولوجية، لكنني قدر استطاعتي ملتزم بمبادئ، متبع لنزعة إنسانية. فلا أظن بوسعي أن أترجم عملا يناصر الطغيان، أو يعادي الحرية، أو يمايز بين الناس على أساس اللون أو النوع أو الدين. أبحث عن الجمال والمتعة في الأدب، والفائدة المعرفية في ما أترجمه بعيدا عن الأدب. أترجم لقارئ مثلي يريد من كل قراءة أن تجعله أكثر إنسانية، وترتقي بفهمه لنفسه وللناس من حوله، وللكون الكبير الذي يحتوينا جميعا.

كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟ 
ترجمت لأحياء ولموتى. لشعراء من الصين ماتوا قبل قرون، وشعراء من أمريكا أرسلوا لي قصائدهم عبر الإيميل. ترجمت لمؤلفين بيني وبينهم محيطات، ومؤلفين التقيت بهم على مقاهي في القاهرة. عرفت ما في القرب من المؤلف وما في البعد عنه من مزايا ومن عيوب. استشرت مؤلفين في معنى خفي لعبارة فانتشيت بإضاءاتهم لنصوصهم، وعكفت على جمل مات مؤلفوها وتركوها غامضة فانتشيت من تفكيك غموضها أو تصوري أني فعلت ذلك.
عرفتني الترجمة بمؤلفين صاروا من كتابي الأثيرين، وعرفتني بمؤلفين فنفرت منهم إلى الأبد، كأشخاص وأحيانا ككتّاب. وأظن هذا طبيعيا.
لكن علاقتي الحقيقية هي مع النص الذي أترجمه، أحاول أن أقترب منه بقدر اقتراب مؤلفه منه. أقرأه، ثم أترجمه، ثم أعيد قراءته في لغتي مرة واثنتين وثلاثا حتى تأتي لحظة كالتي تمر بكل مؤلف مع كتابه، إذ يدفعه إلى الناشر ليتخلص من صحبته، ويحميه من تدخلاته التي قد تضره.
 
كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟ 

في طمع.
 
ماهي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معيّنة في الترجمة؟ 
ما لا يدرك كله، لا يترك كله. أعتقد أن ذلك النهج البرجماتي لا يصدق على شيء مثلما يصدق على الترجمة. لو أمكنني أن أنقل كل جملة إلى لغتي في مثل تركيبها وأصواتها وإيحاءات وتاريخ كل كلمة فيها لفعلت. ولكن ليس هذا بوسعي. علي دائما أن أنقل قدر ما أستطيع، وأن أكون مفهوما. ينبغي أن لا يكون عجزي عائقا يحرم النص من الوصول إلى القارئ.
وأترجم في الصباح المبكر. وأراجع أولا بأول. وأعيش على القهوة والسجائر.

كتاب أو نص ندمتَ على ترجمته ولماذا؟ 
إنبوكس.

ما الذي تتمنّاه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجِم؟ 
أرجو أن يأتي يوم أرى فيه كل الأطراف المعنية بالترجمة تعمل إرضاء لضمائرها. في ظني أنه إذا أرضى كل واحد يقدم أي إسهام في نشر الكتاب المترجم ضميره، فلن يترجم عنوان لا يستحق الترجمة، ولن تنشر ترجمة إلا بالحد الأدنى من الأخطاء.
وأحلم بورشة للترجمة أقيمها مرة في السنة لنحو أربعة أشهر مثلا، وتنتهي في كل دورة بكتاب صغير يقدم خمسة مترجمين على الأكثر، في خمس قصص قصيرة، أو خمس مقالات، أو نصوص لخمسة شعراء. أعتقد أن أكثر ما يؤهلني لهذا الدور هو أنني قارئ شديد السخافة، أو ربما قارئ شديد الحساسية، تقع عينه بسرعة على الخطأ وتنفر منه، فهي دائمة التفكير في سبل لتصحيحه. هناك من هم أعرف مني بالإنجليزية وبالعربية وبالترجمة، ولكن ميزتي إن كانت ميزة هي أنني لا أتسامح مع الأخطاء. في تصوري أن مدين بإقامة هذه الورشة لنفسي بقدر ديني بها لغيري.

بطاقة
أهم الكتب التي ترجمتها وسنوات إصدارها، والكتب التي ألفتها وسنوات إصدارها
مؤلفات:
1.  ديوان "77" (الكتب خان، 2017، مصر)
2.  رواية "الخالق" (الكتب خان ـ 2013، مصر)
3.  ديوان "وقصائد أخرى" (دار النهضة، بيروت، 2009)
4.  رواية "رحلة سوسو" (الهيئة العامة لقصور الثقافة، وزارة الثقافة المصرية ـ 2003).
5.  ديوان "طريق جانبي ينتهي بنافورة" (الهيئة العامة لقصور الثقافة، وزارة الثقافة المصرية ـ 2000)
ترجمات:
6.  "إلمت"، تأليف فيونا موزلي، (دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، 2019، قطر)
7.  "بيت حافل بالمجانين، زيارة ثانية" حوارات باريس رفيو مع وليم فوكنر ـ سيمون دي بوفوار ـ فلاديمير نابوكوف ـ جون شتاينبك ـ ماريو فارجاس يوسا ـ أليس مونرو ـ خوسيه ساراماجو ـ هاروكي موراكامي (2019، دار مدارك، السعودية)
8.  "وزارة السعادة القصوى"، أروندهتي روي، (2019، الكتب خان، مصر)
9.  "صانعات الحلوى"، لو دروفنيك (دار المرايا للإنتاج الثقافي، 2018، مصر)
10.         "حدث ذات صيف في القاهرة" (2018، دار الشروق، مصر)
11.         الجمال جرح" إيكا كورنياوان (2018، الكتب خان، مصر)
12.         "هنا والآن" رسائل بول أوستر وجي إم كوتزي، الكتب خان، 2016، مصر)
13.         "السامريون الأشرار"، هاجون تشانج، الكتب خان، 2016، مصر)
14.         "بيت حافل بالمجانين" حوارات باريس رفيو مع إرنست همنجواي وهنري ميلر وخورخي لويس بورخيس وكارلوس فوينتس وميلان كونديرا ونجيب محفوظ وبول أوستر وسوزان سونتاج وإكو، (الهيئة العامة للكتاب، 2015، مصر)
15.         الباب الأزرق، رواية، آندريه برينك، (الكتب خان، 2015، مصر)
16.         "كلنا نولد مصابين بالغثيان"، راسل إدسن، مختارات شعرية، (الكتب خان، 2015، مصر).
17.         قصص، أليس مونرو، مختارات قصصية، (الكتب خان، 2013، مصر).
18.         العالم لا ينتهي، تنشارلز سيميك، ديوان شعر، (الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2013، مصر).
19.         الغرفة رقم 7، مختارات من قصيدة النثر الأمريكية، (كتاب مجلة الثقافة الجديدة،  2012، مصر).
20.         "رجل القمر"،  (مختارات من الشاعر الأمريكي بيلي كولينز ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ 2006، مصر).
21.         "وجه أمريكا الأسود ... وجه أمريكا الجميل ـ مختارات من الشعر الأفرو أمريكي" (المركز القومي للترجمةـ مصر ـ 2005).
22.         "فندق الأرق" (مختارات من الشاعر الأمريكي تشارلز سيميك ـ المركز القومي للترجمة، 2004، مصر)،
"امرأة عادية .. قصائد وذكريات" (مختارات من الشاعرة الأفروأمريكية ليوسيل كليفتون، المركز القومي للترجمة 2004، مصر).