معلوماتي
عن نفسي أنني أحب عبد المنعم رمضان، وأنه يستفزني أغلب الوقت. له اليوم حوار مع "المدن"،
مستفز تقريبا في كل جملة، يقول فيه ما يلي:
"أذكر أن صحيفة إسرائيلية كتبت في ذلك الوقت أن أم كلثوم
"قطة تموء في الليل ويلتف حولها الحشاشون". إن العدو لا يقول عنك فقط ما
هو كاذب لكنه يقول أيضا عنك ما هو صحيح، وأظن أن هذا كان صحيحًا".
الحقيقة
أن العبارة المنسوبة للصحيفة الإسرائيلية جميلة، لكنها بلا معنى تقريبا. ولا أعتقد
أنها علقت في ذهن رمضان إلا لأن فيها صورة، بل هو تكوين كامل: ليل، جمرات على
أراجيل، دخان أزرق يتصاعد، قرقرة، وحشاشون ملتفون حول ماذا؟ حول قطة تموء. هذه
شذرة سريالية جميلة فعلا، وعبثية أيضا. وفي تقديري لا يمكن إعادة صياغتها خاليةً
من الصورة مع الحفاظ على شيء من معناها.
أنا
شخصيا، كمستمع مخلص لأم كلثوم، لا أستطيع أن أجد العلاقة بين المشبه والمشبه به.
لا أجد في أم كلثوم من القطة أو موائها أي شيء. ولكن الأهم من عبارة الصحيفة
الإسرائيلية عبارة رمضان التالية مباشرة:
"إن
العدو لا يقول عنك فقط ما هو كاذب لكنه يقول أيضا عنك ما هو صحيح".
هذه
ليست حديثا قدسيا، أو مادة في دستور. هي أقرب إلى الحذاء القديم في العلبة الجديدة.
أنت غالبا ستتخلص من الحذاء القديم هذا بمجرد أن تصل إلى البيت، لكن طوال الطريق
إلى البيت سيظل كل من يرى العلبة الجديدة يتصور أن ما بداخلها هو الحذاء الجديد.
عبارة
رمضان حلوة الصياغة، لكنها في الحقيقة لا تعدو مجرد محاولة لتبرير رمضان تبنيه رأي
"العدو" في "نفسه".
رأي
"العدو" في "نفسه". هذه العبارة بالمناسبة من نفس فصيلة الحذاء
القديم في العلبة الجديدة. فرمضان ليس مضطرا أن تكون "أم كلثوم" نفسه أو
جزءا من نفسه، بل وليس مضطرا أن يعتبر صحيفة إسرائيلية "العدو". فنحن في
النهاية لسنا أبناء قبيلة. نحن أفراد. ولكن المشكلة تكمن في براعة الشعراء، في
القدرة على إلباس الغث ثوب السمين. لقد كان بوسع رمضان طبعا أن يقول إن العدو
"قد" يقول عنك ما هو صحيح،
ولكنه في هذه الحالة كان لينال كثيرا من قوة حجته.
في
حواره، يقول رمضان إنه في علاقته بجميع الفنون عدا الشعر مجرد متلقٍ بسيط، ويبدو
سعيدا بهذا، فهو لا يواجه الفنون مسلحا بغير ميله الشخصي البسيط، وأنا مثله في
علاقتي بالفنون، فليس لدي في تذوقها إلا ميلي الشخصي وخبرة التلقي المتراكمة.
وليت
رمضان بقي هذا المتلقي البسيط في كلامه عن أم كلثوم، ليته قال إنه لا يحبها، أو
أنه لا يطيقها حتى، بدلا من أن يتفلسف فتخذله الفلسفة، ويستعين فلا يعينه رأي عجيب، ومتهافت أيضا، لحازم صاغية ("صوتها
يستحيل أن يكون صوت أنثى أو صوت ذكر إنه صوت كائن لا جنس له") وبعنوان
عبثي لصحيفة إسرائيلية، فتكون النتيجة أن ينشر الحوار تحت هذا العنوان: (عبدالمنعم رمضان: أم كلثوم "قطة
تموء ويلتف حولها الحشاشون") وكأنما عبد المنعم رمضان والصحيفة
الإسرائيلية واحد.