Wednesday, December 11, 2013

البساط العادي



وكاتب وما كتب *
البساط العادي

لا يكاد أحد يعرف على وجه الدقة ما الذي أريد من هذا الكتاب؟ ما رسالته؟ أو لأقلها مثلما قلتها فور الانتهاء من قراءته: طيب وبعدين؟
وأنا حين أقول إنه لا يكاد يوجد من يعرف المراد من هذا الكتاب، فأنا أشير إلى عروض كثيرة تناولته، سواء عند نشره بلغته الأصلية (وأظنها التشيكية)، أو بعد ترجمته إلى لغات عديدة، ليست العربية من بينها، كالعادة.
لا أملك إلا أن أنظر ـ شأن كثيرين غيري ممن قرأوا هذا الكتاب ـ بإعجاب أكيد إلى براعة الحكاية التي ينسجها ... لكن ماذا عن المغزى؟
يريد هذا الكتاب (ويمكن ترجمة عنوانه إلى "البساط العادي") أن يغير رأينا ونظرتنا وكل ما نعرفه عن مواضع أقدامنا. عن السجاجيد، التي نراها في المسجد، مثلما في غرفة النوم، على الجدار زينة للناظرين، وأمام الباب ممسحة للأحذية، في المتحف لا تقدر بثمن وفي المتجر مسعَّرة شأنها شأن الفوط الصحية. السجاجيد التي منها الزهيد الذي يملك شراءه أي شخص مهما يكن دخله بسيطا، ومنها ما لا يملك الحلم باقتنائه إلا الموغلون في الثراء.
العادي في البساط أنه مسحور. هذا ما يقوله الكتاب. ولكنه لا يرمي إلى أن كل بساط يطير كذلك البساط الذي في ألف ليلة وليلة. (برغم أن أي بساط كذلك بالفعل متى عرفنا الكلمات التي تنقله من حالته السكونية إلى حاله المتحركة، وكل مصباح هو مصباح علاء الدين، وكل عصا هي ... إلخه) بل يقصد خاصية أخرى، إذ أنه تحت كل بساط ـ كما يزعم الكتاب ـ لا يوجد شيء، أو بعبارة أخرى، لا توجد أرض.
يقول الكتاب ـ في مقدمته ـ إن "ما حدث حينما فردت اسطوانة السجادة سنتيمترا بعد سنتيمتر، ليس فقط أن كليوباترا ظهرت من مخبئها المبتكر، بل لقد كانت الأرض نفسها تختفي سنتيمترا بعد سنتيمتر في البلاط، إلى أن يكتمل انبساط البساط، والعكس بالضبط هو ما يحدث بمجرد أن ترفعه: إذ تعود الأرض لتتخذ مكانها".
لا يعنينا ما يدلل به الكاتب على فرضيته هذه. فالأدلة بدورها فروض، مجرد فروض، تتزيا أحيانا بزي المنطق، وأحيانا تتمسح بالتاريخ. ما ينبغي ـ في تصوري ـ أن يعنينا، وما أعتبره الرسالة المهمة في كتاب كهذا الكتاب (قد لا يعدو أن يكون مجرد خرافة) هو فكرة أن كل بساط هو بساط سحري، والمشكلة أننا لا نرى ذلك. نظل نطأ بأقدامنا السجاجيد يوما بعد يوم، فتبلى، وتبلى أقدامنا أنفسها، وينتهي وجودنا ـ نحن والسجاجيد على الأرض ـ دون أن نتوقف ولو مرة لنتأمل ولو بصورة نفعية: أليست هناك أية وسيلة أخرى للانتفاع بهذا الشيء؟ ألا يمكن بهذا القلم إلا أن نكتب؟ ألا يمكن بهذه العدسة إلا أن نرى؟ ألا يمكن لهذه الأيدي إلا أن تبطش، ولهذه الأقدام إلا أن تدب، ولهذه الأيام إلا أن تمر؟

*سلسلة نشرت صحفيا في ملحق "مرايا" بجريدة عمان قبل شهور