Saturday, April 20, 2013

قصائد





قصائد

أريد أن أكون يا حبيبتي، فنانةً تشكيليةً، ترتدي جلباب نوبية أسود، ولا ترسم إلا بالحناء، وهي تنظر إلى عينيك، مثلما ينظر شاعرٌ رومنتيكيٌ إلى البحر، فترى فيهما ميناءً، وعمالا ينزلون إلى الرصيف بضائع، صناديق صناديق صناديق، ليست هناك سفينة أمام الرصيف، إنما هو بحر، وليس من مدينة وراء الرصيف، إنما هو بحر، وهي تشرد في أولئك العمال: من أين يأتون بالبضاعة، من أين يأتون هم أنفسهم، وأنت تنبهينها: ما هذا الذي ترسمين يا خالة؟ فتقول وهي مكسوفةٌ، يوه، وليس عندها ما تمسح به إلا جلبابها، لكنها لا تمسح بجلبابها، إنها تلحس الحناء لحسا، وتسألينها: أليس هذا خطرا عليك يا خالة؟ فتقول، كلنا يا ابنتي سنموت، وأنا هكذا أريد أن أموت

...

قلت لا أخلع قميصي أمام عينيك، قالت: لأن غمامةً حيث ينبغي أن يكون جزعُك؟ لأن قلبك لولا هذا النسيج للحق بسرب الهداهد؟ لأن النور سيدرك غايته ويكون على صدرك رسالةً من الله لم يئن أوانها؟ لأن هذا القميص من واحدةٍ فتبقى هي التي تحتضنك مهما تبدلت على جسمك أذرع النساء؟ لأن هناك عشبا أزرق مثلما يقال في القصائد؟ لأنك لا تريد أن تفيض فتنمو النخلة ـ دون كل نباتات الدنيا ـ في الاتجاه المعاكس وحينئذ يظن الموتى وهم يرون بلحها أنهم عادوا إلى الحياة ثم ينكسر خاطرهم؟ لأنك تريد حاجزا بينك وبين العالم؟ بينك وبيني أنا بالذات؟ لأنك خائف علي ذاكرتي ألا تكون لما جرى في حياتي بل لما جرى لي؟ لأنني لن أرى من وراء قميصك شيئا؟ لأن الخيال هو الحديقة الوحيدة التي لا يعطب تفاحها؟ لأن الله لا يعطي كل شيء؟ لأن وراء قميصك ـ هذا القطني الأبيض الخفيف على اللحم المحمر الساخن ـ كل شيء؟ لئلا أعرف أن الزهور التي بلا روائح إنما هي تنبئنا بعجز أنوفنا؟ لأنك تشفق عليَّ أن أبدأ من جديد؟ لأنني أتكلم والكلام مسافةٌ والكلام لا يكون إلا بين واحد وغيره؟ لأن معنا ثالثا هو الشيطان ولو رأى ما أريد أن أراه لعرف من أنت فأصبح عاطلا؟ أم لأن معنا ثالثا هو الملاك ولو رأى ما أريد أن أراه لعرف من أنت فأصبح عاطلا؟ أم ألان هناك مرآةً وتخشى إذا رأى الشيطان فيها نفسه رأى الملاك وإذا رأى الملاك فيها نفسه رأى الشيطان وحينئذ تتوقف الساعة؟ ألأن الخنجر المغروس ظاهر عندك دون غيرك وغيري من المحتضرين؟ أم ترى لأنك بردان؟ أم لأنك خلعته فعلا؟ أم لأنني وحدي، لا أنا كنت معك في السينما، ولا أنا سرت معك في الطريق، ولا أنا طلعت معك السلالم، ولا أنا الآن في شقة لأول مرة في حياتي أراها، أعني كما أراها الآن؟ أم أنت تخوّفني والسلام؟ أم أنت تمزح وأنا كعادتي لا أفهم المزاح؟ أم تريد أن تخلعه أمام عينين أخريين؟ ألديّ عينان لا أعرف عنهما شيئا؟ ألديك أنت عينان غير هذين، من وراء قميصك، أهاتان اللتان تمصهما عندي وأمصهما عندك أعينٌ ولا أعرف؟ ألانك تخشى أن ترى عيناك هاتان ما يجعل منهما حلمتين؟ أم أنك تريد كما رأينا في السينما أن أفك أنا الأزرار، هكذا، واحدا بعد واحد، وأنا أقبّل ما يظهر لي قطعة بعد قطعة؟ أم لأن هناك متسعا لي فلا داعي للكلام؟

...

أصارع فيلا الليلة.
والرهاناتُ كلها معقودة على فوزه، وقياسات القوى في الصحافة تجمع أني أنا الذي سوف تذهب بي ركلته إلى الغابة، حيث لا تزال مؤخرات القردة العليا حمراء بأثرٍ غالبا من ركلات مماثلة. ليست القياسات والرهانات وحدها ضدي، ولكن الأمنيات ضدي أيضا، بل المدينة كلها ضدي، وضد أرشيفها الذي يؤكد أن كل فيل جمعتني وإياه حلبةٌ كان يختفي بعد ركلتي من كل مدينةٍ، أو غابةٍ، أو ذاكرةٍ.

...

عندما تلقت خيمينا رسالة خيمينيث كانت في السادسة عشرة فقط، وعندما بلغت الثلاثين كانت قد انتهت من قراءتها، أخيرا، ومن البكاء المتواصل بسبب خبر نقله إليها خيمينيث في الصفحة الخمسين بعد الألف.
خيمينا الآن نسيت الخبر، ورقم الصفحة، ولم يبق معها غير بركة من الدموع في غرفة هي وحدها تعتبرها غرفة بينما أهل القرية والبط سواء بسواء يعتبرونها بحيرة قريتهم الصغيرة.

...

كلما رجعت بفيل إلى البيت تستاء "رامة"
ـ يوما ما سيرجع بي فيلٌ إلى صغاره
ـ ولكن يا حبيبتي هذا ليس فيلا صغيرا، وأنا يا حبيبتي لا أقرب الفيلة الصغيرة، ليس قبل أن تكبر.
وتسألني "رامة": فكم وزن هذا؟
أقول ما بين تسعة أطنان وثلاثة عشر
فتضعه "رامة" على الرف المخص للفيلة التي تزن ما بين تسعة أطنان وثلاثة عشر.

...

كان عندها كلبٌ اسمه كفافي، وحين كان يسألها أحد لماذا سميته كفافي، كانت تقول لا، أنا سميته ريكس مثل الكلاب، لكن هو اسمه كفافي. كان الناس ينظرون إليها في تفهم، ويهزون رءوسهم. لماذا؟ لأنهم، خلافا للكلاب، ليس عندهم ذيول يهزونها.

...

ليس عندي تعريف للقصيدة، لكنني مع ذلك أكتب، تقريبا كل يوم، وكلما أكملت ورقة وضعتها في إحدى كومتين. وأسابيع تروح، وأسابيع تجيء، وتمتد يدي هكذا فأستل ورقة، أحرقها، ثم ورقة أخرى فأحرقها.
صحيح ليس عندي تعريف للقصيدة، لكن عندي هذا الاختبار الذي له ـ مثل الأحمر والأزرق في اختبار الحمضية والقلوية ـ نتيجتان:
إما أوراق يحيلها الحريق رمادا، أو أوراق هي رماد من الأصل.