أسأل اليوم نفسي سؤالا أرتعش له ارتعاشا، فهو وإن يكن مني إلا أنه سؤال أحمد شافعي باشا: كم مرة قرأت فيها بقوة الصداقة أو العلاقة؟ وعلى ذكر العلاقة، كم مرة سمحت فيها لصديق أو عليق (تصلح تصغيرا إن لم تصلح لشيء آخر) أن ينيك (وهي فصحى صحراوية، مثل العامية الشوارعية) أفكارك؟ كم مرة سمحت لصديق أن يقرئك كتابه، ديوانه، روايته، مجموعته، مقاله المترجم، مقاله المؤلف؟ بحجة دائما واهية، ومبرر عظيم التفاهة. أن يأتنس برأي الأصحاب قبل صدور الكتاب أو بعده.
وأنا؟ ألم يفكر بي ولو للحظة؟ ألا يبكي وهو جالس في البيت يتابع اخترنا لك (هذا يحدث من أيامها، عندما كانوا يصدرون كتبهم الأولى في سلسلة إشراقات)، بينما يعرف أنني أقرأ قرفه المقرف؟ ألا يؤلمه ضميره وهو يطالع كتابا مترجما محترما بينما أنا أقرأ كتابه، بينما ينام سعيدا بما قرأ، وأظل أنا أتقلب كارها في نفسي التخاذل، والتهاون في حق نفسي؟
ثم ماذا يحدث بعد كل هذا؟ أقول: كتابك لطيف والله. ولو كان بالفعل لطيفا أقول له في كتابك مشكلات هي كذا وكذا وكذا (عندكم وقت)، وذلك لأنني عياب بالفطرة، أو ميال (بغير الفطرة) إلى التجويد.
سيدي (نعم أكلم نفسي بعدما أصابني أصدقائي بالجنون) العظيم
أكتب إليك هذا على خلفية (تماما مثل لغة الجزيرة الركيكة التي انتشرت) قراءتي كتابا لعليق (سيصبح بقوة الندرة صديقا) وقع فيه على فكرة من ذهب (والسكوت من ذهب، والذهب أعيرة) ثم صاغها كما يصاغ النحاس في الطشوت لا في الصواني والمباخر (والنحاس عموما يتجنزر). عليق، والعليق يأمن لسان عليقه. ولكن العليق الذي هو أنا لم يأمن بوائق عليقه.
وتخيل يا سيدي (طبعا أكلم نفسي) أن لك زميلا في العمل، حطه الله في مكتب مجاور لمكتبك. إنه شخص لطيف. إنه الآن ينتهي من سندوتش الفول. مع أنه انتهى قبل قليل من سندوتش الفول، وكان من قبل ذلك كله قد انتهى من سندوتش الفول. وبدلا من أن يلف الزميل/العليق/الصديق قريبا لأنه لا يوجد غيره ورقة الجريدة على حروف السندوتشات الفارغة وقطعة الجزر المسودة، والخيارة المهترئة إذا به يحمل كل ذلك ويضعه على مكتبك، على الكيبورد، على بنطلونك، إذا به يضغط على جزمتك متوقعا أن ينفتح فمك فيضع ذلك كله فيه.
لماذا لا تستخدم أنت نفس الحذاء الذي قد تضرب به زميلا كذلك مع عليق يعطيك كتابه الرديء؟ ألأنك مهذب؟ لا، ذلك على الأرجح لأنك لطيف. ولأنك تعطي للآخرين كتبك بوقاحة عادية. وحكمة هذا البوست: لا تكتب مالم تكن حرا، ولا تنشر ما لم تكن وقحا.
هذا، وإنني أكتب هذا لأريح ذهني، فمنذ أصبح الصباح، وأنا أعتصره اعتصارا: هل يا ترى يوجد في هذه الأيام المباركة على كوكب الأرض من يستحق مني أنا كل سنة وأنت طيب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟