Tuesday, January 30, 2007

الغيطاني والشاسيه والبروستيتيوت

وأنا في ثانوي وقعت في غرام الغيطاني.
أذكر أنني قلت لتامر الصباغ أو ربما هو الذي قال لي كيف لا يحصل الغيطاني على نوبل وقد كتب شطح المدينة. كنت منبهرا بالرواية، ولا زلت أعتبرها الأفضل بين أعماله. وأنا في ثانوي اتصلت بالغيطاني في أخبار الأدب، وطلبت منه عنوانه البريدي، فسألني إن كنت أعد رسالة ماجستير أو دكتوراه. قلت له إن الأمر ليس كذلك، فأعطاني رقم صندوقه البريدي، في المعادي فيما أذكر، وأخذت أرسل إليه رسائل عن مشاكل وجدانية كنت أعاني منها بشكل طبيعي في تلك الفترة المبكرة من عمري. وطبعا لم أتلق ردا على أي منها.
وأنا في ثانوي، اشتريت كتابا للغيطاني في معرض الكتاب، ورأيته هناك، فذهبت إليه وحصلت منه على توقيعه عليه.
وأنا في ثانوي، كنت أعتبره مرشدي. يكفي أنني قرأت يومياته التي صدرت عن دار سعاد الصباح، ولا أعرف إنسانا آخر قرأها إلا تامر الصباغ في الغالب. كما أنني لا زلت أذكر بالاسم كل من استعار مني كتابا للغيطاني ولم يعده.
اختلفت مع محمد عبد النبي في الأيام الأولى لتعرفنا، لأنه كان متطرفا في تحيزه لإدوار الخراط، بينما كنت مفرطا في تحيزي للغيطاني. بعد سنوات كتبت هايكو لا أذكرها جيدا، أذكر فقط أنها كانت رصدا مباشرا لتجربة فعلية مررت بها، حينما بللت إصبعي لأقلب صفحة من رواية حجارة بوبيللو للخراط، ثم وجدتني بعد ذلك ألحس إصبعي، وكأنما علقت فيه حلاوة لغة الخراط.
لا أظن أن دراسة أو حوارا أو قراءة في كتابات الغيطاني لم تتطرق إلى لغته. فقد أعاد الرجل إحياء أسلوب في كتابة اللغة العربية كان التاريخ قد تجاوزه ـ فيما بدا ـ إلى الأبد. ومع أن هذه اللغة لم تعد تروق لي اليوم، ولم أعد أجد مبررا لإصراره عليها في كل ما يكتب، إذ تتسلل عبارات وتراكيب منها إلى كل كتاباته حتى المقالات التي تعني بشئون ثقافية آنية، مع كل ذلك، لا أستطيع القول بأن الغيطاني لا يجيد اللغة العربية. أعرف أيضا أن الغيطاني لم يدرس في الجامعة الأمريكية، ولم تكن بعثته الدراسية في لندن حيث قضى عشر سنوات مثلا، ولم يعمل الشطر الأكبر من حياته ترجمانا للسياح في القاهرة القديمة.
ولكنني رأيت الغيطاني بالأمس على دريم تو ـ وهي غير نورماندي تو تماما ـ في حلقة من برنامجه خصصها لزقاق المدق. وقد قال من بين ما قال إن محفوظ التقط من هذا المكان شخصية حميدة التي تحولت إلى "بروستيتيوت"، وقال إن رجلا أتى إلى زيطة طالبا منه أن يصنع له عاهة، فقال له إن بوسعه الاكتفاء بالـ "شاسيه" الذي أعطاه الله إياه، والذي سيبث الرهبة في قلوب كل من يطلب منهم حسنة فلا يملكون إلا إعطاءها له.
بروستيتيوت وشاسيه!!
مع أن الغيطاني يتكلم طوال الوقت بالعامية في هذا البرنامج، ومع أنني لا أكن أي ضغينة للعامية باعتبار أنني أحب بها وأكره وأفكر وأفعل كل الأشياء، إلا أنني لم أسترح لاستخدامه للمفردتين.
أنا شخصيا لي واحد صاحبي هنا في عمان، مصري، كثيرا ما يردد في كلامه عبارات وكلمات إنجليزية، فأضطر أنا الآخر إلى ترديد عبارات وكلمات إنجليزية في كلامي، بل إنني كثيرا ما أقول له "همَّا بيقولها إيه بالعربي؟ وأتبع هذا السؤال بعبارة أو كلمة إنجليزية على سبيل الفشخرة، حتى أصبحت هذه سمة حواراتي معه؟
هناك كثيرون يتبعون هذا النهج. ولكن
هل الغيطاني يحاول إثبات شيء ما باستخدامه الكلمتين؟ أنه مثلا منقوع في اللغة الإنجليزية لدرجة أن ينسى الكلمات العربية كما أدعي أنا وصاحبي؟
ولكن لماذا أتصور طوال الوقت أنه استخدم الكلمتين متعمدا، لماذا لا يكون قد استخدمهما بشكل عفوي فعلا؟ لماذا لا يكونان جزءا من قاموسه اليومي؟
يبدو أنني أفترض هذا لكي لا أجد نفسي أمام قضية كبرى: كيف لـ ابن حيان الذي قرأ التوحيدي والمقريزي وابن عربي وعشرات غيرهم واستوعب لغتهم واجترها في آلاف الصفحات، كيف لرجل تحصن بكل تلك الثقافة العربية، أن يبدو في النهاية غير محصن إطلاقا؟ كيف يتعرض لاختراق من اللغة الإنجليزية بهذا الشكل؟
قادني برنامج الغيطاني إلى البحث عن كلمة شاسيه التي لم تقابلني من قبل في أي نص إنجليزي، فلم يحدث أن ترجمت لورشة من ورش الميكانيكية من قبل. في البداية سالت عنها زوجتي التي تجيد الفرنسية، فقد ب
بدت لي الكلمة فرنسية، فأرشدتني إلى كلمة شاسيز، ثم بحثت في وبسترز الجامعي:
فائدة
شاسيه
أو
chassis
والجمع شاسيز
chassis
وهو لفظ يعني الإطار الداعم للهيكل كما في السيارة أو التلفاز وما شاكلهما.
بس البروجرام دا بجد فيري نايس، دونت ميس إيت