Sunday, January 07, 2007

مكان أسامة

أكون أبغض ما أكون عندما أستيقظ. الصبح أو الظهر. ينتابني تقريبا شعور آدم عندما نزل إلى هذا الكوكب التحفة. كان من الضروري ألا يكون هناك أي إنسان على مقربة، ولا حتى حواء نفسها التي كانت لحسن الحظ في مكان آخر بعيدا عن عينيه، ولولا ذلك، لكان آدم لعب دور قابيل مبكرا ولكانت مأساة الوجود البشري قد تأجلت أو تغيرت بحيث كنا سنصبح مثلا بني رفعت أو عزت أو أبو صلاح أو أي شخص آخر. أمي فهمت هذا وصارت تتجنبني في هذه الأوقات. أما زوجتي ففهمتها من الأول. مالكيش دعوة بيا وأنا صاحي من النوم، مبتسم أو مكشر، الأفضل انك تسيبيني لحد ما افوق وابقى بني عزت طبيعي اللي حصل امبارح بقى ماحصلش قبل كده. رجعت من الشغل واتغديت وحسيت برغبة عارمة في النوم، وكنت على وشك أقول لفيفيان اني هاصحى متعكنن، بس ما حبيتش، قلت هي فاكرة من نفسها ومفيش داعي. ودخلت نمت. قبل كده، وانا راجع من الشغل كنت بافكر في حاجة لذيذة جدا، نسيتها تماما، فبينما كنت في غمرة التفكير تلقيت مكالمة عقبال عندكم من لندن، من ست عجوزة بركة شعرها أبيض ووشها متغضن، قابلتني بعد الضهر في قصيدة لشاعر أمريكي اسمه سام هاميل، وصف نفسه بالوصف دا بالظبط: حتى في عيني شاعر أبيض الشعر، ممتلئ بالتجاعيد، بدا الأمر إيروتيكيا خالصا. كان يتكلم في قصيدته تلك على تفتح زهرة أوركيد اتعكننت لما المكالمة نستني الحاجة اللذيذة اللي كنت مستغرق في التفكير فيها. يمكن دا اللي خلاني عايز أقول لفيفيان قبل النوم إلى إني هاصحى متعكنن وحلمت. حلمت اني باكتب قصيدة وانا نايم، واني صحيت، واني قلت لفيفيان: تخيلي اني كتبت قصيدة وانا نايم. فطلبت مني أسمعهالها. قلت لها استني لحظة لحد ما أدونها. وبدأت أكتب وهي متابعاني، قلت لها اني ما باحبش حد يبص عليا وانا باكتب. وكتبت القصيدة، بالعامية على فكرة أنا عايز أعمل قبر في الحتة دي (الحتادي) قبر الشجر جواه ما يخافش م الغربة مش قبر، لأ، تربة الغريب بقى في الحلم دا انها ردت عليا بقصيدة ركيكة قليلا، قالت لي افرد إيدك واستنى غمض عينك واتمنى مفيش حاجة يا احمد هتنزل فيها صحيت متعكنن. وقفت أدخن في البلكونة واقرا في رواية لفيليب روث، ورجعت فتحت الكمبيوتر، واكتشفت ان عندي من أكتر من سنة قصيدة حلوة قوي لسام هاميل اسمها زهرة الأوركيد، قريتها قوي، وترجمتها قوي، وعملت منها حلقة لبرنامج إذاعي باكتبه لإذاعة سلطنة عمان اسمه "أصوات من هناك" وبيتذاع الساعة 8.20 صباحا بتوقيت القاهرة للي عايز يتابعه يعني وبعد كده حكيت الحلم لفيفيان. وخليتها تقرا الحلقة اللي كتبتها تصورت ان الجو المقبض اللي باين في مفردة القبر (برغم ان قصيدتي رافضة القبر لصالح التربة) والكآبة اللي في قصيدتها هي، تصورت ان السبب في الجو دا هو الظرف اللي عشناه مؤخرا، بعد وفاة والدها ودا صح. بس مش لوحده السبب. امبارح شفت على إيلاف خبر وفاة أسامة الدناصوري. أسامة ما كانش صاحبي، يمكن ماتقابلناش أصلا. لكن كنت باقراله. على الأقل ديوانه عين سارحة وعين مندهشة. وقصايد تانية كان بينشرها في المجلات أحيانا. خسارة حقيقية ان شاعر بجد يموت. شاعر جميل مركز وبيحب الشعر والجمال وبيعرف ينتجهم فرحت اني ماعرفتوش شخصيا. كتير من اللي عرفتهم شخصيا من الشعرا والكتاب عموما كرهتهم، ودا أثر على قرايتي لشغلهم. لكن الفرحة دي ما قدرتش تقلل من إحساسي بالخسارة. خسارتي الشخصية في رحيل أسامة. رحيل شاعر. على فكرة يا أي حد بيقرا الكلام دا، لو الطبيعة هي المسئولة الوحيدة عن وجودنا ما كانتش هتسمح بموت شاعر زي أسامة بدري كده، أسامة كان فرصة للطبيعة انها تزداد خصوبة واكتنازا بالجمال. خسارة، خسارة بجد مش عارف إذا كان الموتى بيحسوا بينا واللا لأ. لو كان دا صحيح يبقى الموت حاجة لذيذة جدا، نوع من السينما التي لا تنتهي، لو الأمر كده أنا شخصيا أفضل أموت. صحيح مش هابقى مشارك في الحياة، مش هيبقى عندي فرصة للتغيير واللعب في الأحداث، لكن دا بالظبط أدق وصف ليا في الوقت الحالي. الموت لذيذ على فكرة، بشرط ان القبر يبقى كرسي في سينما. أنا شخصيا متعاطف جدا مع قلبي. شيء بشع انك لا تتوقف عن الشغل إطلاقا. التنفس كمان مسألة سخيفة ومملة جدا. إنما لو الموتى بيحسوا بينا، يبقى كويس واللا مش كويس ان أسامة يقرا الكلام دا؟ أتمنى انه وقعه عليه يبقى لطيف لأنه الحقيقة لما كان بيكتب قصايده كان بيبقى وقعها عليا لطيف. أتمنى انك تكون بخير يا أسامه