هل جرب
أحد منكم أن يبخل بعمله؟ قد يكون هذا الإحساس ـ كما كتبته ـ شائعا للغاية، أو غير
غريب بأية حال. لكن الإحساس كما أحسه أنا يبدو جديدا. ربما
بالنسبة لي.
كنت منذ
لحظات منهمكا ومستمتعا ومتسلطن في ترجمة مقال لشاعرة أمريكية شابة عن هايكو
للمرحوم باشو حبيبي الغالي. وفجأة توقفت. شعرت أني أبخل بها ليس على كل القراء في
الحقيقة. لو أن الأمر كذلك لكان جميلا. ولو أنها قصيدة لي وليست ترجمة لكان الأمر
أجمل. تخيلوا جمال أن يكون ويتمان قد مزق أوراق العشب لكي لا يقرأها أحد. على أن
تنجو نسخة، نظل نطالعها ونحن على يقين أنه لم يرد ذلك. أنه احتقرنا إلى حد إحراق
أوراق العشب
في حالتي
أنا هناك قارئ معين أضن بهذه الترجمة عليه، قارئ أعرفه باسمه. التقيته في سهرة
الأسبوع الماضي. لأول مرة أقابله. من الوهلة الأولى بدا مفتعلا. هو على مشارف
الستين يرتدي قميصا كأنه لوحة لفاروق حسني، أحد نصفيه أطول من الآخر، وبيريه أنا
واثق أنه حصل عليه من سلة قمامة توفيق الحكيم. نحيل كالدودة. شاحب السمرة مثل
بلهارسيا مصابة بالبلهارسيا. يدخن بايب يبدو مصنوعا في عشوائيات الصين ويستعمل
ولاعة صينية تعذبه كما يعذب العالم. ويتكلم، كلاما مفككا كأنما تسوله ثم جمعه من
صراخ ضيوف الاتجاه المعاكس. ويصر أن يتكلم، ويقاطع الآخرين لكي يتكلم، ولا يقول شيئا
مع الوقت أصبح كلامه مثل أزيز المكيف، مجرد خلفية مهملة. بدا هكذا للجميع تقريبا.
لكن أنا لم أعتد بعد على الحياة في وجود مكيف. لم أستمر في متابعته طبعا، فلم يكن
هنك ما يمكن متابعته في كلام هو أشبه بقأقأة متقطعة لدجاجة عليلة تحتضر. ولكنه
استمر يزعجني. كما قد تزعجك ذبابة تقف على أنف كلب
لا أستطيع
أن أتخيل هذا الشخص يقرأ عملا لي. لكنني طبعا سوف أخدع نفسي ـ لكي أكمل ترجمة
المقال ـ باحتمال هو طبعا قائم: ربما يموت قبل نشر المقال، يدهسه عابر دون أن
ينتبه، تجمعه زوجته مع كناسة المطبخ عن طريق الخطأ الواجب، أو ربما يسقط في غليونه
المشتعل
دعونا
نصلي من أجل ذلك، ولكي لا نشعر أننا أشرار، فلنصل لكي يصاب باكتشاف حقيقة ذاته:
يعرف فقط أن لا شأن له بالقراءة أو الكتابة أحذركم فقط أن هذا الاكتشاف في الغالب
سوف يصيبه بانهيار عصبي يفضي أيضا إلى موت