معروف
طبعا أن الأسبوع يومان ونصف. يبدأ الساعة 3 ظهر كل أربعاء، وينتهي بالنوم الساعة 4
مثلا من صباح السبت ثم يصحو الإنسان، أحمد شافعي نموذجا، الساعة 6.30 مرهقا
للغاية، بسبب أسبوعه المشحون بالقراءة والكتابة والسهر لأجلهما ولأجل التليفزيون
والخروج إلى المقاهي وغيرها، وعندما ينتهي يوم العمل الأول يعود منهكا فينام ظهرا وهكذا
يصعب عليه النوم بما يكفي بالليل فيصحو يوم الأحد مرهقا وتتكرر المأساة على مدار
الأيام الخمسة اللعينة مما يسميه الناس أيضا الأسبوع من السبت 4 إلى الأربعاء 8
نوفمبر كان بشعا. لم يكن الشغل معتادا، كانت هناك س، الجدة البريطانية الجميلة
النشطة التي تتكلم فأترجم، وتوجه وتتابع وتصحح الأخطاء وتعنف وتوبخ وتبتسم، وأترجم
كل شيء حتى النكات التي تلقيها فلا يضحك لها أحد ولو على سبيل المجاملة، ثم أترجم
لها النكات والقفشات العربية الصعبة فتبتسم بصعوبة ورقة بالغين، من الغبي الذي قال
إن الإغراق في المحلية هو الطريق إلى العالمية، لم تكن س قادرة على الضحك للنكات العربية،
وأنا نفسي أقرأ هذه الأيام رواية إنجليزية قديمة اسمها يوميات نكرة، رواية كوميدية
لكني واثق انني لو ترجمتها فلن يضحك أحد، أنا نفسي واثق أن بعض القفشات تفوتني على
أي حال. دمرتني س. أتت علي تماما ونهائيا، حتى استراحة التدخين، حين أخرج أنا وهي
وحدنا لأن البقية لا يدخنون، حاملين كوبين ورقيين مليئين بقهوة عربية سادة خفيفة
تذكرني فقط بالقهوة الحقيقية، حين نقف بصعوبة في ظل محدود لشجرة في حديقة المؤسسة،
لا تكف س عن الكلام، لا تتوقف عن تحليل ما قاله البعض، والتفكير في ما ستقوله
للبعض، ادعيت السرحان والتوهان وربما المعاناة من دوار البر، جربت الابتسام الأبله
حينما أرادت النقاش الجاد، جربت أن أفتح موضوعات أخرى: اسكتي يا س مش هيعدموا
صدام، الديمقراطيين شكلهم هيعملوها المرة دي، فتمنحني تعليقا موجزا ثاقبا ومختصرا
ونهائيا: تابعت ذلك في البي بي سي، أحدهم أخبرني، وتعود لتتكلم في برنامجها
التدريبي في نهاية يوم الثلاثاء، دعتني لمشاهدة الغروب معها في مركب في البحر ثم العودة
لتناول وجبة خفيفة في الفندق. يبدو أنني لم أجد ردا سريعا، أعني كلاما، لكن يبدو
أيضا أن هول عرضها ترك أثرا على وجهي، يبدو أن وجهي نطق بالفاجعة التي كنت أشعر
بها، فإذا بها تبتسم وتقول إنني لست مضطرا لقبول الدعوة، قلت، أنا فقط مشغول هذا
المساء تماما، وحتى نهاية الأسبوع أيضا، قالت إنه لا مشكلة ويمكننا ترتيب الأمر في
الأسبوع التالي. وأضافت بنبرة حاسمة، لكن لن أقبل أي اعتذار لأنني سأحرم نفسي من
الاستمتاع هذا الأسبوع
أصحابي
في المؤسسة جميعا يرثون لحالي، ولكنهم لا يستطيعون كتمان ضحكهم وهم يرونني طوال
الوقت أفتش عن حائط أضرب فيه رأسي. مسكين سندباد، اضطر يوما إلى حمل شيطان على
كتفه. لكن س جميلة. لا يمكن أن تكون شيطانا، هي أقرب إلى ملاك طال به العمر حتى
نسي معنى الرحمة، إنسان آلي عجوز مبرمج عبر خمسين عاما من العمل الصحفي على
الملاحظة، وتدوين الملاحظة، وإبداء الملاحظة
من السبت
القادم ستنتقل س ببرنامجها إلى مؤسسة أخرى، ولن أكون معها طبعا، لكن يبقى المركب
والغروب والبحر، حتى تسونامي مر موسمه، ويبدو أنه لا مفر