Monday, October 30, 2006

علاقات غايبة


يفكر الإنسان، أحمد شافعي نموذجا، بطريقة غامضة للغاية. الفكرة الأولى: أن أكتب عن عودتي لاستعمال الثقاب، وربطها بتعطل الريموت كونترول ثم الكمبيوتر في وقتين متعاقبين أي غير متداخلين الفكرة الثانية: أن أكتب عن السؤال الذي كانوا يسألونه قديما: ما المادة الموجودة داخل الخشب في القلم الرصاص ثم قررت فجأة أن أبدأ الكتابة بفكرة أخرى تماما: في طفولتي كنت أحب استعراضا لليلى نظمي اسمه جوايز للشطار، الآن فقط أتذكر أنه كان استعراضا مطولا ينتهي بفقره اسمها جوايز للشطار. كان هناك أيضا ولد صغير تائه في حديقة الحيوانات، كان لابس زعبوط وفردة بوت، أنا فاكر دا كويس وكنت أيضا أتابع برامج المسابقات في التليفزيون. أذكر مذيعة في القناة الثالثة كانت قصيرة، ممتلئة الجسم، ترتدي نظارة، مستديرة الوجه، وجميلة، ما المانع؟ كانت تقدم برنامجا من هذا النوع، وكان من أكثر الأسئلة شيوعا في مثل هذه البرامج واحد عن المادة الموجودة داخل الخشب في القلم الرصاص، وهي الكربون فيما أذكر، وليست الرصاص، فالرصاص ثقيل فعلا يا أصدقائي ترى ما المادة المضرة الموجودة في الثقاب؟ أهي الكبريت ببساطة؟ من زمان أحب رائحة الكبريت. ولكني فجأة أصبحت أستعمل ولاعة. من سنوات بعيدة، لم أعد أرى مشط الكبريت إلا مصقولا في الفنادق؟ أذكره حين كان يحمل علامة كنت، متربعا فوق علبتي السوبر. في فترة كنت أدخن البايب، وأيامها بدأت أبحث مضطرا عن كبريت في البيت، ولدهشتي وجدت واحدا في مطبخ أمي. لكن حجم العلبة كان أصغر مما كان عليه في الماضي، كانت أقرب إلى مربع، وكانت أعواد الثقاب من البلاستيك، سألتها عن سر وجود هذا الكبريت برغم الولاعة البلاستيكية المتدلية فوق البوتاجاز، فقالت إنها اشترته من مندوب مبيعات مر عليهم في الشغل، برغم أنها لا تحتاج إليه في المطبخ، قالت إن الشاب ذكرها بي، لأنه جامعي ويعمل مندوب مبيعات. أمي طيبة فعلا، ربما لا تذكر أنني عملت لمدة أسبوع مندوب مبيعات في شركة نصابين رائعة، اسمها سيسيليا في الغالب، وأيامها فكرت في كتابة رواية اسمها سيلز لأنهم لا يقولون مبيعات أبدا، ويقولون لبعضهم البعض يا مستر فلان ويا مس علانة، وحاجة تقرف، وكنت طبعا سأربط على طريقة محمد جلال عبد القوي بين السيلز والخصخصة وبيع الوطن وإهدار كرامة الإنسان والكلام اللطيف دا، ولكنني لم أكتب الرواية، وإن كتبت رواية أخرى اسمها انتحار جامعي، قلت فيها عن إحدى الشخصيات إنه سوف يشتري القليوبية حين يخصخصونها ويقيم مصنعا للجبنة القريش في القناطر الخيرية جنب استراحة الريس. كانت رائحة ذلك الثقاب بشعة، تخيل نفسك تشعل قطعة من البلاستيك وتقربها بحرص من أنفك ولأطول فترة ممكنة، طريقة يمكن استخدامها للتعذيب في جوانتانامو وتوكيلاته في بقية دول العالم كنت معجبا بنعومة العلبة والثقاب ودقة صناعتهما، ولا شك عندي الآن في أنه صناعة صينية. الكبريت الذي أستعمله الآن، خشبي، ولكنه بنفس الحجم ودقة الصناعة، وهو مصنوع في السويد ومكتوب عليه فوق ميد إن سويدن عبارة تفيد بأنه صديق للبيئة. فجأة، بجد فجأة، قررت تنظيف الشقة منذ أيام، ربما يوم الجمعة، وبعدها اختفت الولاعات، لم تبق سوى واحدة لونها بنفسجي غامق وشعلتها تافهة، ومستفزة، فلجأت للكبريت الموجود دائما في المطبخ. عدت إلى استنشاق رائحة الثقاب القديمة المحببة، بالقرب من أنفي، لولا صديق ظل طوال اليوم يقول لي كلما التقينا في حديقة الجريدة للتدخين إن المادة ما باعرف شو اسمها هادي مضرة، وكان يصر أن يعطيني ولاعته الفزدقية كانت في ذهني طريقة للربط بين الثقاب والريموت كونترول الذي تعطل منذ فترة، وصرت أقوم مع كل فاصل إعلاني لأبحث بين القنوات عن قناة مؤقتة. عذاب حقيقي. معاناة لا يمكن أن تتصوروها. طوال يومين، إلى أن وفقني الله ووجدت ريموت بديلا، ظللت أشتم في أشخاص لا أعرف أسماءهم، أولئك الذين يقولون لنا دوما إننا صرنا كسالى، مستشهدين على ذلك باعتمادنا على الريموت. شتمتهم كثيرا، وبألفاظ لا تصدر إلا من شخص لا يعيش معه أحد مثلي. وكانت هناك صلة أيضا بين اضطراري مؤخرا إلى استعمال الثقاب وتعطل الريموت، وتعطل الكمبيوتر. بقي أن أجد فكرة للانتهاء من هذا البوست. هل تنفع الصراحة؟ جاءني اتصال تليفوني استمر 23 دقيقة و29 ثانية من القاهرة أعادني إلى قلب أجواء عملي فيها. طبعا فصلت تماما عما كنت أكتب عنه، والأفكار الموجودة الآن في ذهني جميعها بسبب المكالمة أفكار مخزية تتعلق بالحقد على أشخاص حصلوا على فرص كان ينبغي أن أحصل عليها أنا، وأشياء من هذا القبيل. من الممكن أن أنهي هذا البوست بفكرة لا يربطها بما سبق إلا رابط لغوي واضح، كأن أقول مثلا إن بداخلي جزءا هو المسئول عن هذه المشاعر السلبية تجاه بعض الآخرين، وإني أتمنى أن يتعطل هذا الجزء كما تعطل الريموت لفترة، ومن الممكن أن أفترض أن هذا الجزء أو الكمبيوتر، أو أن هذا الجزء الموجود بداخلي ليس جهازا قابلا للتعطل وإنما هو ولاعة يمكن أن تضيع. ويمكن، أو ليس جهازا قابلا للتعطل، وإنما هو أقرب إلى ولاعة قابلة للضياع، أو شيء قابل للحرق بالكبريت. ومن الممكن ألا أبحث عن أي رابط، أن أكلمكم أخيرا عن صدى صوت أزرار لوحة المفاتيح في الشقة الخاوية بعد أن جاء أنصار الهندي وحمل الأنتريه للتنظيف. سيعود الأنتريه يوم الجمعة على الأرجح. لأنه وعدني أن يعيده غدا. أنصار يكذب يا أصدقائي. أنصار اسمه جميل.