Monday, October 23, 2006

كم أستحق هذا الحب.




فكرت اليوم أن أطلبها مرة أخرى من محمد عبد النبي. لا أعرف ما مصير القصة التي حكيتها له وطلبت منه أن يكتبها لأنني أعجز من أن أكتب قصة قصيرة. فكرت اليوم أن أطلب من محمد عبد النبي أن يكتب قصة موتي. قصة الأيام الأخيرة في حياتي. يطاردني هذا الهاجس في الآونة الأخيرة، أنني على وشك الموت. لا أدري سببا لذلك. منذ نحو ثلاثة أسابيع حلمت باثنين ممن ماتوا في شبابهم من أقاربي، ذهبت معهم أنا وأخي محمد في سيارة أحدهم إلى نزهة، المفترض أنها نزهة، غير أنني وجدت نفسي في مركز تجاري (مول) مملوكي، كل الأزياء المعروضة فيه مصبوغة باللون الخشابي. هل تذكرونه؟ اللون المنفر الذي كنا نغلف به كراساتنا في ابتدائي. خشابي. شيء يذكر بالنعش، بالخشبة. المطمئن أن الملابس المعروضة لم ترق لمحمد، مع أن الميتين كانا يحاولان إقناعه. أما أنا فلم يكن أحد مهتما بأمري. كان التركيز منصبا على محمد، وأنا كنت أتنقل في المكان بهدوء وألفة، وقد تذكرت أنني جئت إليه منذ مدة، وانتقيت منه ثيابا. صحوت في ذلك اليوم على صوت ظننته مواء، أزحت الستارة فوجدت طائرا على إفريز الشباك، واقفا في مثلث رفيع من الظل هاربا من هجير مسقط، كان طائرا أسود، منقاره أصفر، وقفت أراقبه من وراء الزجاج، وهو ينظف ريشه، ويزقزق بإيقاع ثابت هو الذي أيقظني، هو الذي كان شديد الشبه بالمواء. كنت حتى تلك اللحظة قلقا على محمد. متصورا أن الميتين قد جاءا لاستدعائه. وفجأة انتبهت أن الرسالة موجهة إليّ أنا. الرسالة الأولى، أي رسالة الحلم، والرسالة الثانية، أي رسالة الطائر. تصورت أن الطائر الذي علم أبانا قابيل من قبل كيف يواري سوأة أخيه، قد جاء لينبهني إلى أنه ينبغي القيام بحملة تنظيف. كانت الشقة غارقة في الفوضى والقذارة كعهدها دائما. فبدأت أنظف الشقة، ثم استحممت ووضعت ثيابي المتكدسة في الغسالة، وصرت مستعدا لأن يكتشف موتي جار ذو أنف حساس، وفتحت الكمبيوتر وكتبت قائمة بكلمات المرور الخاصة بإيميلاتي، وبكلمة المرور التي تفتح ملفات الوورد السرية، وقررت أن أرسل بها جميعا إلى زوجتي. فكرت أنه من العدل ألا تجد بعد موتي الكثير من الأسرار. كتبت لها أيضا عن ديوني، وعن مستحقاتي المالية لدى عدد من الأماكن والأشخاص. ولم أرسل الخطاب طبعا، فقد كان ذلك كفيلا بإقلاقها كما أتمنى. ونسيت الموضوع، وتحولت الرسالة إلى أحد ملفات الوورد المؤمَّنة بكلمة مرور هي عبارة عن رقم تليفون قديم تغير منذ سنوات وبقي محفورا في ذاكرتي ربما لأنه أول رقم تليفون كان يعني لي شيئا ما. برغم أنني على يقين من أنني لم أتصل به قط.
ظل ذلك الهاجس يعاودني طوال الفترة الماضية. مرة منذ سنوات قليلة، ارتفعت نبضات قلبي بطريقة رهيبة إثر تدخيني مادة هي الأجمل في الوجود، مادة حرمت على تفسي تناولها من بعد. يومها كان معي بعض الأصحاب، في غرفتي، في بيتنا القديم، المطل على محطة القطار، وتمثال جمال عبد الناصر في ميدان القرية ومدخلها، يومها فزع أصحابي جميعا، أصابهم ذلك الفزع الدنيوي البائس، كانوا يتوقعون أنني سأطلب طبيبا، وأن أمرنا جميعا سيفتضح، غير أنني قمت من على المكتب وتناولت مرآتي الصغيرة، وتوجهت إلى السرير واستلقيت هناك، متأملا وجهي، طالبا منهم الصمت أو الخروج، فخرجوا إلا واحد، وبقيت هناك أفكر في الموت القادم حالا، وفي أن آخر ما أريد أن أراه من العالم هو وجهي، وفي أن الموت سيشعر بوضاعته حين يراني غير مبال إلا بوجهي. كم أحب نفسي. كم أستحق هذا الحب. ولكن الشخص الذي كان على استعداد لمواجهة الموت بتلك الطريقة قد مات، وأصبح في العالم أحمد شافعي آخر، سقط عنه ترس من نوع ما، فصار ينظر إلى الموت ربما في فزع. حاجة تقرف. قوطعت بمكالمة تليفونية. رسالة إس إم إس في الحقيقة. أحدهم يتمنى لي عيد فطر سعيدا. رقم غريب، يحمل كود دولة لا أعرفها. اتصلت به فتبين أنه عادل شعيب. عادل الذي احتسبته ميتا، أو قاتلا. كنت كتبت نصا عن عادل شعيب، يبدو أنني مضطر الآن إلى إطلاقه هنا. عادل شعيب أخيرا. كنت ظننت أنه قتلني. أو قتل نفسه. استخدم ممحاة سميتها ممحاة عادل شعيب. ولكنه عاد وكأن الله يمنحني قبل الذهاب كل ما تمنيته من قبل. هل كل هذه الهواجس بسبب متابعتي للـ ست كوم الذي تناول حياة سعاد حسني بعنوان السندريلا؟ ربما. فعلى مدار شهر ظللت أتابع هذا المسلسل، وأزداد حبا لسعاد حسني الأصلية، وإشفاقا على التمثيل بها بهذه الطريقة البشعة غير الإنسانية. على أي حال، سعاد حسني نفسها ماتت.