الاثنين
يوليو 2006
أقرأ
المصري اليوم في الأتوبيس الذي يغير خط سيره فجأة ليمر على الجامعة العمالية
وبجوارها المطعم. نسيت اسمه مرة أخرى. لم أكن أتردد عليه بانتظام مع أنه كان قريبا
من مكان عملي السابق. لكنني مرة تناولت فيه غداء رهيبا مع عادل شعيب، ثم أخدنا
مكروباص إلى القلعة، حيث حضرنا حفلا موسيقيا. وعلى مدى يومين بعد ذلك، ظللت أشكو
من معدتي. لا أستطيع أن أحدد بدقة
متى كان كذلك. قبل كم شهرا من سفره؟ قبل كم شهرا من سفري؟ لا أستطيع أن أحدد. حوالي عام 2000 مسعود شومان يتصل بي ويعرض
عليَّ شغلة سريعة. ترجمة دراسة جدوى لإحدى الشركات. المهلة يومان. والدراسة تقترب
من 80 صفحة. لم يكن من الممكن ـ وأنا بلا عمل آنذاك ـ أن أرفض. توجهت إلى بيته
وهناك قابلت عادل شعيب للمرة الأولى. في مساء اليوم التالي
التقينا على مقهى التكعيبة في القاهرة. حيث سلمته الترجمة التي لم أنم بسببها،
واضطررت أن أشتري بنصف أجري عنها قواميس متخصصة لم أكن أتصور أن أحتاج إليها أبدا. عادل يعرف المطاعم الجيدة. ليلتها دعاني إلى
عشاء. وأخذنا نتكلم. عرفت أن علاقته بمسعود ترجع إلى أيام الجيش. كان هو ومسعود
وآخران من أصحاب مسعود مجندين في الجيش، حين كنت أنا أكتب أول قصيدة في حياتي في
صبيحة غزو صدام للكويت. اللقاء الأول عادل شعيب هو
القارئ الوحيد في العالم. هكذا بدا الأمر لي في أول مرة التقيت به فيها في ندوة
أسبوعية كنا نقيمها أنا ومسعود وآخرون في شبين القناطر. لم تكن دراسة الجدوى
لقاءنا الأول إذن، كانت الثاني على الأرجح. في
يوم خميس ما وجدت شخصا جديدا على ندوتنا الأسبوعية، أعجبته قصيدتي. انتظرت أن يقرأ شعره، ثم تبين أنه لا يكتب.
معقول! لم أكن قد قابلت شخصا يقرأ فقط دون أن يكون كاتبا. هو فقط مهووس بالمسرح.
ويحب ابراهيم الكوني الذي لا أحبه. والسينما الجميلة. ويكره الإيقاع في أغنيات أم كلثوم. تبين في العشاء الأول أن علاقته بمسعود
وصاحبيهما الآخرين ليست علاقة جيدة كما توهمت. كثير من المشاكل المسكوت عنها.
قليلا قليلا أصبح مسعود يعرف أخبار عادل مني، هذا إن شاء، ونادرا ما كان يشاء.
وقليلا قليلا أصبح بيني وبين عادل ما نتكلم عنه. يحب
عادل أن يكون في حياته شخص مبهر. وكان دائما ما يوجِد هذا الشخص. عبثا حاولت
الإفلات من أداء هذا الدور. لأنه ببساطة دور مرهق. يحتاج المرء أن يكتب دائما
قصائد جميلة. أن يقول آراء سديدة. وهذان أمران في منتهى الصعوبة. خصوصا أن الخطأ
جميل جدا. والاستهانة شيء رائع. الفردوس المفقود تستطيع
السعودية ـ كما أتخيلها ـ أن تكون أي شيء إلا أن تكون مكانا يشعر أحد بالحنين
إليه. لكن عادل كان قد عاش فيها سنوات ظل يحن إليها. يحن إلى نظافة الشوارع
وانتظام المرور وندرة البشر والعزلة. مع عادل، حضرت أجمل عروض
المسرح في حياتي. حضرنا معا دورات كاملة من مهرجان المسرح التجريبي الذي يكرهه
الصحفيون المصريون لأسباب لا علاقة لها بالفن. شاهدنا
الساعات معا، الفيلم المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه عن فيرجينيا وولف. ومواطن ومخبر
وحرامي. وهاملت لو فيه وقت Hamlet, If There Is Time. كان
يتابع ما أنشر ويناقشني فيه بجدية ويدعوني كثيرا إلى الطعام. وكان موجودا طوال
الوقت. على الإيميل والمحمول والمقهى. وكان أجمل شيء أننا نلتقي في أماكن أخرى.
بعيدا عن وسط البلد. البداية في مطلع 2005.
ربما في ربعها الأول. بدأ عادل يتأهب للسفر مرة أخرى إلى السعودية بعد بضع سنوات
احتمل فيها مصر. وسافر بالفعل. وظل يتصل بي بديلا عن بقية أصحابه، وبديلا عن
الذكريات المؤلمة التي لا يتخيل أن ينساها، وربما بديلا عن أسرته التي لا يمكنه
الاتصال بها لأسباب تخصه أكثر مما تخص الأسرة. وفي
منتصف 2005، وجدت نفسي في مسقط. الرواية فتاة تتزوج في
السر. لا يعرف بزواجها إلا زوجها وصاحب له وعسكري كان شاهدا على زواجها العرفي
لأنه كان قريبا من الكافيتريا التي تزوجت فيها. فجأة يختفي الزوج وصاحبه. تماما.
وبلا أثر. فجأة تجد الفتاة نفسها بلا أي دليل على أنها عاشت الخمس سنوات الأخيرة
في حياتها. فجأة لا تجد أي دليل على أن هذه السنوات لم تكن حلما. هناك تفاصيل أخرى
حكيتها لعادل لأنه صاحبي. ولكني لن أحكيها الآن. انتابني
رعب من هذه الفكرة. رعب حقيقي. أن يسقط مني شخص أثق أنه لم يرد بي شرا. ولم يتصور
أن يلحق بي أذى. رعب منعني حتى اليوم من
إكمال الرواية التي كتبت فصلها الأول في جو شبه كافكاوي. عادل فقط من بين كل الناس
هو الذي عرف بأمر هذه الرواية. أكاد أكون واثقا أني كلامي معه عنها كان في اليوم
الذي أكلنا فيه معا، وتعبت معدتي. كان إبليس سعيدا في موسم
الحج قبل عيد الأضحى الماضي بيوم مثلا، صحوت لأجد sms من
عادل. قال فيها إنه متوجه لقضاء إجازة في مصر. كنت أنا في مسقط. وأرسلت أقول له:
طبيعي جدا أن يولي مسلمو العالم وجوههم إلى مسقط بينما أنت وإبليس تتوجهان إلى
مصر. لم يصلني رد منه. ولم يشغلني ذلك كثيرا. العلامات
التجارية كتب صحفي اقتصادي يقول إن الشركات تبيع منتجات، ولكن المستهلكين يشترون
علامات تجارية. تلك هي الجملة الوحيدة التي أعجبتني في كتاب من 470 صفحة قمت
بترجمته في الشهور التالية لعيد الأضحى الأخير. ظللت مشغولا في ذلك الكتاب اللعين
عن كل شيء. وفجأة تذكرت دراسة الجدوى الأولى في حياتي. كانت
عن إنشاء ناد صحي في أحد أحياء القاهرة. تذكرت عادل. وجربت الاتصال. لأسابيع ظللت أتلقى نغمة غبية لا تتغير. عرفت
أن أرقام الموبايل زادت رقما في السعودية. وحصلت على الرقم الجديد. وظلت النغمة
كما هي. وأخيرا رد علي مواطن سعودي لم يكن عادل شعيب طبعا. عادل
ألقى الشريحة على طول ذراعه. أوقف سيارته في مكان لن يتوقف فيه مرة أخرى إلى الأبد
وألقى الشريحة. ألقاها راجما بها شيطانا هو وحده يراه. وكانت
الرسائل ترتد إليَّ واحدة بعد الأخرى. فلم يعد لرسائلي متسع في ايميلات عادل. لماذا أشك الآن أن عادل كان يجلس مع ذلك
المواطن السعودي حين اتصلت؟ بطلة الرواية المفروض أنها اكتسبت عادة الذهاب إلى
محطة القطار الرئيسية، في رمسيس. عادة الجلوس على الرصيف. مراقبة التزاحم
والتلاشي. هذا كل ما أذكره عنها. لا بد أنني كنت أعرف المزيد عما سيئول إليه
حالها. ولكنني نسيت. نسيت تماما. هي الأخرى وقعت مني. لكنني أحتفظ على الكمبيوتر
بفصل من حكايتها. ربما تعمد عادل. عادل لم يعرف الكثير من البشر الأسوياء في
حياته. يؤمن أنه تعرض للأذى من كل من عرفهم. لعله أراد أن ينتقم من كل شيء مجسدا
في شخصي. لعله أراد أن يجرب الإيذاء. لعله تعب. أعرف شاعرا أفروأمريكيا لزم الصمت
التام سنين من حياته. وأعرف شاعرا أمريكيا آخر كتب قصيدة اسمها محو آيميليو. عن رجل
أعمل الممحاة في ابنته، ثم محاها من رأس زوجته. أنا بشكل ما آيميليو
