Sunday, July 26, 2009

الشعر

مؤخرا، نشرت ذي نيويوركر قصيدة لـ بورخس عنوانها "حلم"، فلم أكد أقرأها حتى ترجمتها، ولم تمر أيام قليلة حتى وجدت ترجمة الشاعر الأردني الصديق تحسين الخطيب للقصيدة نفسها منشورة في "القدس العربي"، وعرفت من ترجمته لها أن سرعتي في ترجمتها أوقعتني في خطأ، حيث قرأت كلمة place أي مكان وكأنها palace أي قصر. فصححت ترجمتي على الفور. غير أن سرعتي وسرعة تحسين في ترجمة القصيدة بينتا لي كم نحن بحاجة إلى المزيد من بورخيس شاعرا. فالمتاح من شعره باللغة العربية لم يزل بالغ الضآلة. فلا يوجد كتاب يعتد به ـ في ظني وفي حدود ما أعرف ـ إلا الذي صدر قبل سنوات عن دار توبقال للمترجم المغربي ابراهيم الخطيب بعنوان "مديح العتمة".

فيما عدا ذلك لدينا ترجمات وفيرة لبورخيس ناقدا أو قاصا منها ترجمة عابد اسماعيل لـ "سبع ليال" و"صنعة الشعر" الذي ترجمه صالح علماني و"ألف"، و"تاريخ لعار العالم" وغيرها من الكتب غير الشعرية.

وبقي الشاعر غير حاضر تقريبا إلا في "مديح العتمة"، ذلك الكتاب النحيل الذي يغوي قراءه ولا يشبعهم، والذي بقدر ما يمتعهم يمنيهم. وأخيرا، أخيرا جدا، يقع بين يدي كتاب يضم مختارات من بورخيس ترجمها إلى الإنجليزية ثلاثة عشر مترجما من بينهم على سبيل المثال الشاعر الأمريكي الكبير و س مرون، والشاعر والكاتب الراحل جون آبدايك. كتاب يشارف على خمسمائة صفحة، ويجمع بين النصوص بلغتها الأصلية ـ الأسبانية ـ وترجمتها الإنجليزية. وبمثل لهفتي على ترجمة حلم ذي نيويوركر، كانت لهفتي خلال الأيام الثلاثة الماضية على التنقل بين قصائد هذا الكتاب.

ليست قراءة شعر بورخيس بالأمر اليسير، وترجمته أصعب، فالمرء بحاجة إلى موسوعة محترمة في متناول يده، أو إنترنت لا يتباطأ، فالراحل العظيم يتحرك بين ثقافات العالم، شرقيها وغربيها، وكأنما يتنقل بين غرف بيته. يكتب عن جون ميلتن وديكارت بمثل الحميمية التي يكتب بها الشعراء عن حبهم الأول. يألف قرطاجنة مثلما يألف شوارع بيونس آيرس.

نحو مائتين وخمسين صفحة لدي الآن من الشعر (المتعوب عليه). الشعر المكتوب لأن الكتابة صناعة وبنيان وفن، وليست فقط بوحا وتهريجا واستسهالا واستهانة بالقراء. نحو ماتئين وخمسين صفحة لا أعرف إلى الآن ماذا أنا فاعل بها بالضبط، طبعا ستنضم إلى ما لا يعار (وهذا قطعا للطريق على كل من يراوده شيء)، ولكني أفكر فيما سأقدمه لكم منه. إليكم، مؤقتا، وبعد تعديلها، قصيدة حلم:

حلم

في مكان مهجور في إيران، هناك برج حجري غير شاهق للغاية، لا باب فيه ولا شباك. هنالك، في الغرفة الوحيدة (الدائرية، ذات الأرض المكسوة بالغبار)، منضدة خشبية ومقعد. في تلك الزنزانة الدائرية، ثمة رجل يشبهني، يكتب بحروف لا أفهمها قصيدة طويلة عن رجل هو في زنزانة أخرى دائرية يكتب قصيدة طويلة عن رجل هو في زنزانة أخرى دائرية ... وما لذلك الأمر أن ينتهي، ولا لأحد أن يقرأ ما يكتبه السجناء ...

افتتاحية قراءات في 26 يوليو 2009