قلت بصوت مسموع ثلاث مرات: سوف أضع الموبايل فوق الثلاجة إلى أن أشرب، وسحبت الزجاجة وذهبت إلى المنضدة حيث مزجت كثيرا منها بقليل من ماء بدرجة حرارة الغرفة وشربت وعدت فأدخلت الزجاجة. ولم أتبين ما إذا كانت التجربة قد نجحت لأنني نسيت أصلا أن أضع الموبايل فوق الثلاجة وأبقيته في يدي.
نصحني مقال طبي بلعبة الكلام بصوت عالي عما أفعله لكي يثبت، في محاولة لعلاج ضعف الذاكرة المؤقتة، أو الدهولة على العين.
في الصباح ظللت أكرر في الشقة كالعبيط: أنا داخل غرفة النوم أتسرح وآخذ السجاير، ثلاث مرات، أنا خارج الصالة آخذ الشنطة والموبايل والمناديل، تلات مرات، أنا خارج من الشقة ومش هانسى المفتاح في الباب، وعندما وصلت أسفل البناية تذكرت أن الفلاش ميموري لا يزال مرشوقا في الكمبيوتر فصعدت لآخذه، ولا أدرى الآن إن كنت تركت باب الشقة مفتوحا.
أنا بحاجة إلى قائمة أعلقها على باب الشقة من الداخل.
قريبا شاهدت فيلم عبقري عن شخص فقد ذاكرته المؤقتة أو القريبة من جراء حادثة. فملأ جسمه بكتابات، وملأ جيوبه ببطاقات، وقضى طول الفيلم يطارد قاتل زوجته وذاكرته، في سيناريو بديع، ثم يتبين في نهاية الفيلم أنه يستغل أنه ينسى، يعتمد على أنه لا يصدق إلا بطاقاته، فكتب في البطاقات ما أراد أن يتذكره، هذا الشخص كذاب لا تصدقه، لأن هذا الشخص يعرف هذه الحقيقة، اقتل فلان الفلاني، وهكذا
أحاول منذ خرجت من البيت في الصباح أن أتذكر عنوان هذا الفيلم بلا جدوى.
يبدو أن ذاكرة المدى القصير تتصرف باعتبارها عضوا في جسد آخر لا يخصني، في حين أن ذاكرة المددى البعيد، صاحبة الأحداث القديمة، مخزن الشخصيات والمواقف، هي الأخرى تتصرف وكأنها عميل لهؤلاء الأشخاص في جسدي.
أهم لي أن أصفف شعري قبل الخروج من البيت، وأضع في جيبي علبة سجاير فيها أكثر سبع مرات من سيجارتين، عن أن أتذكر مثلا السؤال الذي وجهه إلي نائل الطوخي في ليلة جنب جامع الفتح، أو عدد المرات التي تقيأ فيها محمد عبد النبي ونحن نناضل من أجل الوصول إلى بيتي، أو تامر الصباغ وعدد المرات التي ركبنا فيها قطار غمرة
يتبع