واحد زيي عاش طفولته يتسلل لشقة عمه المهجورة ويقعد في
البلكونة يقرا بالساعات، ولو زهق يمدد على الكنبة يتفرج على التليفزيون، ويكاد
يكون الطفل الوحيد في الكوكب اللي أبوه كان بيتحايل عليه يخرج يلعب ويمارس أي نشاط
بدني (ودا كان بيحصل في حدود ركوب العجلة، لكن خارج القرية تقريبا) طبيعي يحسد
واحد زي يسري حسان.
"خلطة
شبرا" بيقول بوضوح ان يسري حسان عاش حياته كاملة في الشارع، وإن وجوده بين
أربع جدران كان الاستثناء النادر، قابل بلطجية ولعيبة كورة وعربجية وبياعين سريحة،
وعرفهم، عرفهم عن قرب، قعد على قهاوي النشالين وتجار المخدرات، اصطاد سمك وعمل عجل
من الكازوز، دخل سينمات ولعب كورة شراب وشاف من مخاليق الله في شبرا اللي لا يمكن
واحد زيي يقابلهم غير في كتاب.
بس
الغريب انه مش حسد بس هو اللي حسيته وأنا باقرا خلطة شبرا. كان فيه كمان رثاء
ليسري.
كل فصل
في الكتاب تقريبا بينتهي بتنهيدة عميقة,. تنهيدة معناها انه كان زمان وجبر. معناها
ان كل دا راح. معناها ان كل البهجة والبساطة والإنسانية انتهوا. سوق روض الفرج بقى
جبانة ثقافية، السينمات اتهدت واتبني مكانها جراجات وعمارات، أهالي الحارة ماتوا
وسافروا وعزلوا ويمكن اتنسوا. كل شيء خلص كأنه ما كانش. خلص لدرجة ان يسري يدور
على حواري شبرا في ديلهي، وعلى شقق شبرا في سان بطرسبرج.
في بعض
الأوقات وأنا باقرا الكتاب، اللي قريته في قعدتين في أقل من 24 ساعة، كنت باقول ان
يسري عمل متحف فرغ فيه ذاكرته ويقدر دلوقت ينسى بقى ويرتاح. في أوقات تانية كنت
باقول إنه عمل متحف ومن غير ما يعرف هيبقى حارس عليه، وهيعجز فيه زي ما عجزت
شخصيات كتابه وهما فارشين بخضارهم على نواصي الحارات أو مدفونين في دكاكينهم والشوارع
بتعلا قدامهم. وفي كل الأوقات كنت بارثي لحاله، خساره انه شاف كل دا، واتحمل
بالتبعية عبء كل الأطلال دي.
يمكن
أكون محظوظ، ومفيش داعي للحسد. يمكن أنا في النهاية أقدر ألاقي كنبة وكتاب في أي
مكان في العالم. صحيح أنا شفت أقل وعرفت أقل بس برضو شلت أقل. جايز يكون مفيش داعي
للحسد. لكن أكيد فيه داعي للرثاء. صحيح مفيش كنبة زي كنبة، والبلكونة دي لا يمكن
تكون زي البلكونة اللي كانت، لكن دول في النهاية كنبة وبلكونة، مش حي، ومش شبرا،
ومش في أواخر الستينيات وفي السبعينيات.
قلبي
معاك يا يسري، وكتر خيرك