Sunday, August 17, 2008

رحت أصب الماء الساخن فإذا به يتصاعد أزرق بلون المج؛ ويحي لقد نسيت أن أضع ملء ملعقة ونصف من حبيبات النسكافيه البنية الغنية بالكافايين الشهي. أسرعت إلى برطمان النسكافيه ذي الملصق الأحمر والكوب ذي الرغوة التي لن تظهر عندي فأنا لا أستعمل حليبا ولا أضيف مسحوقا مبيضا، واغترفت بالملعقة الفضي لونها وسكبت ما اغترفت، وتوقعت أن يكون الطعم رديئا، فالدنيا قامت على أن نيوضع النسكافيه أولا مع السكر، ثم يصب الماء الساخن صبا، وبالفعل وجدت أن الحبيبات لم تذبن بسرعة، وقلبت ثم ارتشفت، وإذا بي وقد خاب أملي. إنه نسكافيه. طعم الأمس في فمي اليوم. أيعني هذا أن طفلا قد يولد قبل لقاء مكوناته الأولى؟
أمس قرأت على شريط الأخبار خاصة السي إن إن أن امرأة مصرية أنجبت سبع توائم، واليوم وجدت على الفرون بيج خاصة ياهو أن اسمها غزالة خميس، وتصورت لو أنني ترجمت الخبر حرفيا، وعرفت أن بلايين الناس في اعالم قرأتالخبر وسمعته ولم تعرف ما يكتنزه اسم المرأة من ثقافة، وتساءلت كم يفوتني كل يوم وأنا أقرأ بالإنجليزية وبوقاحة أترجم منها. وقررت أنني لا ينبغي أن أترجم اليوم أي شيء.
أخذت النسكافيه في يدي وقررت النزول، قطعت الخطوات من مكتبي (طاولتي) الأصفر باتجاه الباب البني وكنت أتذكر أن من أجمل الدويتوهات في تاريخ الغناء المصري ذلك الذي بين شادية وعبد المنعم ابراهيم حيث تقول الأولى ياختي عليه فيقول الثاني ياختي، وتكرر الأولى ياختي عليه فيقول الثاني بنفس المقدرة الغنائية البارعة ياختي، وتنتهي الجملة بقول شادية ياختي عليه رب يخليه.
وفي طريقي إلى النزول مررت بصالة التحرير المزمع إنشاؤها، وقفت على الباب، الحد الفاصل بين القسم المستقر والقسم المتهدم، أمامي مكاتب انهدمت جدرانها ومساحة كبيرة رأيتها وهي مليئة بالضجيج عن قريب، وفيما أنا واقف مع هذه التأملات المهمة كنت ألمح ضوء فلاش كاميرا من اليمين يصور اليسار، لم أر إلى الذي يصور، ولكن رأيت أن هناك فلاشات متتابعة. مضيت في طريقي لا يردعني رادع، ونزلت أربعا وعشرين درجة حتى الطابق الأرضي، ثم خمس درجات حتى الباب الخشب ذي اللون البرتقالي الشبيه بقمر الدين المصري لا الشامي، وخرجت منه والمج الأزرق في يدي، ولأن الأزرق يكون في أحسن حالاته حين يكون على مقربة من البرتقالي فقد وجدتني مشدودا إلى الباب، فوقفت ثمة أشرب وأدخن وأقول وعليكم السلام وأفكر في الأخطاء المطبيعة والنحوية التي يلاحظها الآن قراء ملحقي ويكتبونها رسائل نصية تطفح بالشماتة والمحبة.
في ملحقي اليوم اليوم عمود من خمسميت كلمة عن الأستاذ محمود درويش. أشعر الآن أنني نلت منه، مسحت بكرامته الأرض، قلت عليه أستاذ. هذا بالضبط كأن تقول الأستاذ الحسين بن علي رضي الله عنه. أو أستاذ زيوس. أو أستاذ أدونيس. هذه مسخرة واضحة. وواضح ايضا أنني لم أستخدم الأمثلة التي كان ينبغي أن أستخدمها بدلا من حسين علي وزيوس وأدونيس.
قرأت على الجارديان مقالا طريفا ينتهي نهاية مأساوية، شاعر بريطاني اسمه نيك ليرد يعيش في إيطاليا له سنة ونصف الآن، ويتعلم الإيطالية من خلال أشياء كثيرة من بينها قراءته للدواوين الإنجليزية المترجمة إلى الإيطالية والمنشورة باللغتين معا. وكلام عن الشعراء إذ يترجمون الشعر وقوله في نهاية مقال طريف ومضحك إن الترجمة تمثل تدريبا عظيما للشعراء، حتى "أجد فكرة تخصني".
ورحت أتأمل، وهذا دأبي يوم الأحد، فقلت له كم أنت قفل يا نيك، وإمعانا في السخرية قررت حين أقابله أن أسأله ما اسمك، ولن ينكر، سيقول "نيك" وساعتها سأنفذ ذلك. وعدت فقلت له ليست مسألة فكرة يا أبو ليرد، فكرة إيه يا راجل. يا ريتها قصة أفكار، ما كانش حد غلب يا معلم. المسألة مش كده. يعني تفتكر بذكاء أهلك كده اني من سنتين مابافكرش خالص. يعني دا ممكن أصلا؟ ومع ذلك ما كتبتش أي حاجة. أبيض يا ريس. ولعلمك خلال السنتين دول فكرت. وكذا مرة مش مرة واحدة. أنا النهاردة بس
واكتشفت أن الحديث مع نيك لن يكون مجديا فبدأت أترجم مقاله.
عرفت وأنا أترجمه بلعبة اسمها ديل أور نوت ديل، برنامج مسابقات مكسر الدنيا في عشرميت بلد، وأنا لا أعرف من أمره شيئا.
وقررت حين انتهيت من ترجمة المقال أن أضعه في فولدر مستقل، سميته أصوات 2008. قررت أن أبدأ بهذا المقال النسخة الجديدة من برنامجي الإذاعي التي ستبدأ من بعد رمضان. بدأت هذا البرنامج سنة 2005، واستمر لأكثر من ربعميت يوم متقطعة، كان آخرها ربما تسعة أشهر متتالية في 2007. وها هو سيعود. طبعا افتقدت هذا البرنامج كثيرا كثيرا، مثلما أفتقد أشياء أخرى كان البرنامج نفسه سببا في افتقادي لها.
كنت في هذا البرنامج أترجم كل يوم قصيدة، وأكتب عنها كلمتين على ما قسم. ولكنني في هذه الدرورة الجديدة ـ وهذه فكرة يا قفل ـ سأكتب أولا ثم أبحث عن قصيدة تناسب ما كتبته. وهذا قد يبدو صعبا، لكنه من وجهة نظر معينة سهل جدا، سهل حقيقي.
في الفترات التي كان يتوقف فيها "أصوات من هناك" كنت أكتب برنامجا آخر اسمه كتابات أخرى أنا الآن موحول في حلقاته الأخيرة. كان ينبغي أن أنتهي منها في 15 أغسطس. ولكن باقي ست حلقات تقريبا. بيخلصوا، مفيش مشكلة. ولكن اليوم أقصد هذا اليوم مسروق من أجازة كنت أخطط لها تبدأ من 15 أغسطس حتى عشرين رمضان. كانت لدي خطط مهمة، من بينها أن أقرأ "الاستشراق" بالإنجليزي، فقد اقتنيته مؤخرا، ورسائل سيمون دوبوفوار إلى سارتر، وهذه جننني ما قرأته منها في الأسابيع اللي فاتت، والكتاب ضخم ورايق ومحتاج الفترة دي. وكنت أنوي أن أقرأ تفسيرا للقرآن، كاملا، من أوله إلى آخره، لأنني أكتب عملا متعلقا بهذا. هذا عن تخطيطي للمزاج. وكنت أخطط أيضا للانتهاء من عملين مكتملين فعلا لكنني لا أريد أن أقتنع بهذا. والمهم المهم المهم المهم أن شيئا من ذها لن يحدث، أي شيء مطلقا، وبهذا تكون سنة أخرى قد طارت مع إخوتها. المثير في الأمر أن السنوات أكيد شكلها جميل وهي طائرة خلفي.
وتاني تاني تاني ... راجعين أنا وانت تاني .. للنار والعذاب من تاني .. وتاني تاني تاني ... راجعين أنا وانت تاني هايمين بنجري ورا الأماني العجيب أنني أستمع الآن إلى عبدالحليم حافظ، احتجت قبل أن أفعل هذا أن أقرر أنني شخص آخر تماما، ونجحت، لدرجة أنني أبكي معه، لسبب يكمن في ذاكرة الشخص الثاني ولا أعرف عنه أي شيء.